تبادل اعلاني

انا الشهيد ..لاتقتلونى من جديد



انا الشهيد ..لاتقتلونى من جديد

يموت الشهيد  مبتسماً ضاحك الثغر..أن بات خالداً فى ضمير أمّته  وقضيته التى افتداها بنفسه.. وقد بشّره ربه بمأله من قبل ..
يحيا الشهيد فى صدور المؤمنين بحُلمه وقضيته.. يُعكّر صفوه مايُعكر صفوهم .. يُسعده مايُسعدهم  .. يتألم لأنّاتهم وصرخاتهم .. يصبر مثلهم على تحقيق الحلم الذى ضحّى لأجله.. هكذا هو الشهيد ..
الشهيد ياسادة ليس خيطاً مقطوعاً بل أنفاساً موصولة .. ليس دماً مراقاُ وقد جمُد ..بل نزيفاً متواصلاً مع دم الرفاق المسكوب.. تتعاظم الهتافات فيهتف معهم ..وحوله الملائكة يؤمّنون ..
تتواصل الجروح فلا يندمل جرحه فيألمُه .. يتحرك فى الكون الفسيح يتفقد وجوه الرفاق .. الأهل .. الأخوة والأبناء .. يمسح بأنامله غير المنظورة دموع الأطفال اليتامى ..يهدهد على أكتاف الأمهات الثكالى .. يمشى بين أبدان الشهداء المزبوحة .. يلاصق أرواحهم  وتحتضن يداه صدورهم .. يتحركون جميعاً ينتظرون فصل الخطاب فى القضيّة ..
الناس من ورائهم يتلاهون .. يتناسون .. يتغامزون .. يتلامزون بل ويسخرون ..منهم من انتقده .. ومنهم من قذفه من بعد فدائه.. ومنهم من لازال يسير على دربه يتفقد خطاه فلا ينكث لعهده ولا يخون يمينه الذى عقده معه .. تسير القضية من خلف الشهداء تتقدمها جثث الموتى وما هم بموتى انهم حقاً هم الأحياء... بينما نحن ...فنحن الموتى .. نطبل ونهلل لكل راكب جديد ومتسلق .. وننسى الشهداء ..نصفق له أن ضحك  ونبكى لأجله ان حزن وننسى الشهداء ..
نلبى نداءه وان حنث وخان وننسى الشهداء ..  بينما هم فدماؤهم لازالت تقطر أمام أعيننا ان أعملنا الزاكرة وجعلناها حيّةً كما هم أحياء ..
يُضحى الرجل بذاته لأجل ابنه وحياته بينما الأخير فيعقد صلحاً على دماء أبيه فتصرخ روحه بأن توقف .. انتبه لا تُصالح قاتلى.. لا تبادل الدم الّا بدم .. تتجرع الأم الأسى صارخةً..ليس الدم دمك فحسب.. فميراث الدم هو ملكى أنا..تلطم الزوجة العاشقة خدها عندما تتقارع أنخاب الصلح  الحمراء على دم العاشق الغائب ... يلتاع الأخ لدماء أخيه هاتفاً ألّا يبيع دم أبيه..  بينما هو فقد تنكر لدماء أبيه المسفوكة .. وصراخ الأم المكلومة ويمين الأخ المزبوح..  
كل شىء قد نسيناه ياسادة .. كل قطرة دم قد تجرّعناها أسى بالأمس نحتسيها اليوم ثانية بقاموس نسيان الماضى وقاعدة الحاضر والمستقبل .. لتتقزم الأحزان بداخلنا .. لتنحصر شيئاً فشيئاُ فى صدور الأمهات الثكالى أمام دور القضاء المتناثرة بأرجاء الوطن ..
تتراجع القضية من فوق الجبل الشاهق ليحتله قنّاصة المواقف من جديد .. ليتبدل لون الجلباب فحسب وأحجام العمائم الملفوفة .. بينما الفكر المُثار عليه فلا زال يدعو الثوّار أن انتبهوا .. تيقظوا .. لاتناموا .. لاتركنوا ..لاتنخدعوا .. أرهفوا السمع  للصوت القادم من أعماق البحر من تحت السفينة الغارقة .. أرهفوا السمع  لمن يناديكم من خلف جبل الدم المسفوك.. انه الشهيد يناديكم ..يُقاضيكم أن ضاع الدم بأيديكم .يواسيكم أن تقدم قاتله يُعزّيكم ... ماهكذا ثمن القضية  ولا هكذا  ثمن الدم المسكوب .. انقلوا عنه لأمه وولده وزوجه وأخيه أنه لايزال يصرخ باسم الحريّة ..يُحرّض فينا  النخوة والمروءة والاقدام والاصرار على القضيّة ... فلابد يوماً وأن نلقاه فى عالم لايعرف الظلم ولا الموت ولا الخيانة ولا فساد  الفاسدين ..أرهفوا السمع ..انه صوت من بعيد يهتف قائلاً : أنا الشهيد ..لاتقتلونى من جديد..

مقال :اشرف اسماعيل المحامى بالنقض‏